ملتقى صناع التأثير- الفرد والمحتوى الراقي أساس التأثير المستدام
المؤلف: أحمد الجميعة10.27.2025

من المسلمات أن الهدف الجوهري من التواصل هو إحداث أثر لدى الجمهور، إلا أن النقاش لا يزال محتدماً حول مدى هذا الأثر، وعلاقته الوثيقة بمتغيري الزمن (طويل الأمد وقصير الأمد) والنية (مباشرة وغير مباشرة). وفي كلا الحالتين، تتراءى لنا علامات التأثير الذي يمكن استيعابه، وقياسه بدقة، والتكهن بتبعاته على المعرفة، والتوجهات، والسلوكيات. والأهم من ذلك، هو تحديد القوى المحركة الفاعلة في إحداث هذا التأثير، من وسائل الإعلام المتنوعة، وقادة الرأي النير، والنخب المثقفة، والمشاهير اللامعين، والشخصيات المؤثرة، والفروقات الشاسعة بين هذه التصنيفات. فعلى سبيل المثال، قد تكون شخصاً مشهوراً ذاع صيته، ولكنك في المقابل غير مؤثر في مجتمعك، والعكس وارد أيضاً، حيث يمكنك أن تكون مؤثراً فاعلاً، ولكن غير معروف على نطاق واسع؛ لأن التأثير الحقيقي لا يكمن فقط في عدد المتابعين الهائل، أو حجم المشاهدات الضخم والإحصائيات الرقمية البراقة، بل في قدرة المحتوى المقدم على إلهام الأفراد، وإحداث تغيير إيجابي في حياتهم، وتوجهاتهم المستقبلية، وصناعة قراراتهم المصيرية.
التحول الأبرز اليوم في مسيرة القوى الفاعلة في التأثير يتمحور حول الفرد ذاته، أكثر من تركيزه على الوسيلة الإعلامية؛ وذلك كنتيجة حتمية للدخول في عصر الاندماج الوثيق بين الوسائل المتعددة والتقنيات الحديثة وأجهزة الحواسيب المتطورة، وما أفرزه هذا الاندماج من بيئة جديدة للتواصل التفاعلي البناء، وبالتالي القضاء المبرم على مركزية الوسيلة التقليدية، وظهور الفرد من مجرد متلقٍ سلبي في اتجاه واحد، إلى صانع محتوى تفاعلي مبدع في أكثر من اتجاه؛ مما رسخ من قوة ومكانة الجمهور كسلطة خامسة مؤثرة وفاعلة.
واليوم، تنطلق فعاليات ملتقى «صناع التأثير» المتميز، الذي تنظمه وزارة الإعلام الموقرة في نسخته الأولى، وهو بمثابة مبادرة نوعية فريدة من نوعها، وتستحق الثناء الجزيل للقائمين عليها، وكيف تبلورت أفكارنا وتجسدت في تقديم أول وأكبر تجمع عالمي للمؤثرين من مختلف المجالات على أرض المملكة العربية السعودية الغالية. كذلك، تميز هذا الملتقى الرائد في تعريف مفهوم التأثير وتوضيح دوره المحوري في إثراء القيم المجتمعية النبيلة، وتناول مستقبل المنصات الاجتماعية المتنامية بمشاركة نخبة من الخبراء المرموقين، وتقديم ورش عمل ابتكارية وتفاعلية في صناعة محتوى مؤثر وهادف، إلى جانب استعراض الملتقى لقصص نجاح ملهمة عن التأثير الإيجابي والتغيير الملموس، وعقد شراكات استراتيجية مع الجهات الحكومية والقطاع الخاص على الصعيدين المحلي والدولي.
هذا الملتقى الجليل يرسخ التموضع الجديد للتأثير حول الفرد المبدع، بمشاركة فاعلة لأكثر من 1500 مؤثر من مختلف أنحاء العالم، ويفرق بوضوح بين الفرد المشهور والفرد المؤثر بطريقة مهنية وبغاية الذكاء والفطنة، ويضع المحتوى الراقي والهادف أساساً للحكم والتقييم؛ وفق معايير صارمة تعتمد على القدرة الفائقة على الإلهام، والتغيير نحو الأفضل، والحفاظ على منظومة القيم المجتمعية الأصيلة. كما يضع الجمهور الكريم أمام حالة وعي جديدة عنوانها الأبرز «التأثير المستدام»، وهو في الوقت نفسه يرسم ملامح مرحلة انتقالية مهمة لما سيكون عليه المحتوى في المستقبل القريب؛ فالعبرة ليست إطلاقاً في الخروج عن النص المألوف، أو التخلي عن القيم النبيلة، أو البحث المحموم عن الإثارة والجدل؛ لتمرير محتويات هابطة ومبتذلة، ولكن المحتوى الذي يؤسس له ملتقى صناع التأثير هو ذلك المحتوى الذي يترك أثراً إيجابياً عميقاً في حياة الناس أجمعين، والدليل القاطع على ذلك هو الاستشهاد بمحتوى المؤثرين الذين قدموا من كل حدب وصوب من هذا العالم الفسيح ليقدموا تجاربهم الثرية وقصصهم الملهمة؛ لكي نعرف الفرق الجوهري، ونبني عليه الأساس المتين الذي ننطلق معه بثبات في رحلة ترميم المفاهيم وتشكيل الوعي الجمعي.
وزارة الإعلام الرشيدة، من خلال ملتقى صناع التأثير، ستعيد التوازن المنشود للمحتوى القيم في شبكات التواصل الاجتماعي المتنوعة، وآلية التفكير الإبداعي في نسق مفتوح من الابتكار لتقديمه بأساليب عصرية مبتكرة؛ فهي لا تستبعد أحداً من المشهد الإعلامي، ولكنها باختصار شديد تهدف إلى أن تترك أثراً عميقاً وجلياً في داخلنا، لكي نفكر معاً بتمعن وتدبر، ونستلهم من الآخرين أفضل ما لديهم من أفكار ورؤى، ونعيد تعريف التأثير الحقيقي على أنه كسب قلوب الناس ومحبتهم الصادقة، واحترام قيمهم الرفيعة وعقولهم النيرة.
